الأربعاء، 24 يونيو 2015

التناغم النفطي في لبنان.. براً وبحراً


جريدة السفير

بعد عمليات المسح التي قامت بها وزارة الطاقة والمياه للبّر اللبناني والتي رجحت إمكان وجود مكامن بترولية برية واعدة، بات من الواجب إعداد العدة، تقنياً وإدارياً وقانونياً للبدء بعمليات الاستكشاف، خصوصاً أن القوانين اللبنانية الحالية التي ترعى هذا القطاع المهم تعود الى زمن الانتداب الفرنسي (القانون 113/1933)، وبالتالي لا تواكب التطور التقني أو القانوني أو البيئي ولا تحقق مصلحة لبنان ولا تجذب الشركات للعمل في هذا المجال.

ان استعراض المراسيم والقوانين التي تحكم العمل في هذا القطاع، يبيّن لنا أنها قديمة جداً وتحتاج الى تطوير والى قانون جامع، خصوصا بعد صدور القانون الرقم 132/2010 الذي ينظم عملية استكشاف وإنتاج الموارد البترولية في المياه الاقليمية ومياه المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، من دون ان يتطرق الى العمليات البترولية في البر اللبناني. لذلك، من الضروري التعجيل بإقرار قانون ينظم عمليات التنقيب في البّر اللبناني. وثمة إشارات واعدة في ضوء الجهد الذي قامت به وزارة الطاقة بالتعاون مع أهل الاختصاص، حيث تم وضع مشروع قانون لا يزال عالقاً امام اللجان المختصة.
لا بد لأي قانون للموارد البترولية في البر اللبناني، أن يتناغم ويتكامل مع قانون الموارد البترولية في البحر اللبناني.


ولعل أهم النقاط القانونية التي لا بدّ من معالجتها في القانون البري هي الآتية:
ـ تحديد دور السلطات المعنية.
ـ الإشغال المؤقت للعقارات والاستملاك والتعويض العادل في كلتا الحالتين.
ـ إنشاء شركة بترول وطنية.
ـ إنشاء شركة وطنية لنقل البترول وتخزينه.
ـ سن التشريعات الضرورية للمحافظة على الصحة والسلامة العامة والبيئة والعمل.

إن دور السلطات المعنية مباشرة بالموضوع، وهي مجلس الوزراء، وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول، يجب ان يتناغم مع تلك المنصوص عليها في القانون البحري، بحيث أن المهام يجب أن تكون مماثلة لدورهم وصلاحياتهم في القانون الأخير، مع إضافات لبعض الصلاحيات المتعلقة بطبيعة التنقيب في البر، خصوصاً لناحية الإشغال المؤقت والاستملاك والتعويض العادل والعلاقة مع البلديات والمحافظة على الآثار والمياه والثروات الأخرى.

من المعروف أن الملكية الفردية محمية بموجب الدستور اللبناني (المادة 15)، ولا يمكن نزعها الاّ بموجب مرسوم منفعة عامة ولقاء تعويض عادل. وفي الوقت نفسه، فإن الثروات النفطية هي ملك للدولة وفقاً للمادة 89 من الدستور اللبناني التي تنص على أن استغلال أي مورد من الموارد الطبيعية لا يتم الاّ بموجب قانون. من هنا، تبرز أهمية التوفيق بين الحقين، خصوصاً ان طبيعة الاستكشاف والتنقيب في البر تتطلب استعمال عقارات تعود ملكيتها للأفراد، اما بشـكل مؤقت أو مستمر. ان الإشغال المؤقت للأراضي لإجراء عملية الاستكشاف يجب أن يتم مقابل بدل عادل، ولفترة تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات كحدٍ أقصى، وقد يتحول إلى استملاك في حال العثور على النفط أو الغاز.

أما بالنسبة للاستملاك النهائي للعقارات، فلا يتم الا بعد صدور مرسوم منفعة عامة من قبل الوزير المختص، على أن يتم لقاء تعويض عادل لصاحب العقار يحدد من قبل القضاء ولجان استملاك تشكل خصيصاً لهذا الموضوع.
تجدر الإشارة الى أن التعويض يجب أن يكون عادلا ومرتفعا نسبياً عن أي عملية استملاك أخرى تقوم بها الادارة مثل فتح طريق أو إنشاء حديقة عامة، وعلى لجان الاستملاك البت سريعاً بالملفات.

أما بالنسبة للضرائب والرسوم، فيجب أن تكون مماثلة للقانون البحري لجهة اعتماد حصة الدولة من الأنشطة البترولية والمؤلفة من الأتاوة وبترول الربح وبترول الكلفة وضريبة الدخل المتوجبة على أصحاب الشركات بموجب اتفاقية الاستكشاف والإنتاج، ولكن مع إضافة نوع جديد من الرسوم وهو الرسم العائد للبلدية المعنية، وهذا الأمر يعطي البلديات مداخيل جديدة هي بأمسّ الحاجة اليها.

كما لا بدّ من إنشاء شركة بترول وطنية تعود ملكيتها للدولة اللبنانية، وذلك على غرار معظم دول العالم مع تحديد دورها وصلاحياتها وأنظمتها وإمكان إعطاء هذه الشركة الترخيص بالاستكشاف والإنتاج في البحر والبر على حد سواء.

ولا بدّ أيضا من إنشاء شركة وطنية لنقل البترول وتخزينه. فمن المتعارف عليه ان ادارة منشآت النفط في لبنان تتولى عملية التخزين والنقل في الوقت الحالي. ولكن مواكبة للتطور، يجب إنشاء شركة وطنية تملكها الدولة تهتم بعملية نقل وتخزين وتكرير البترول وكل الأمور المتعلقة بهذا المجال، على أن يتم ضم أصول ومتعاقدي لجنة المنشآت الى هذه الشركة.

ولا بد من إدخال تعديلات على قانون العمل لمواكبة عملية الاستكشاف والتنقيب التي تتمتع بشروط خاصة من حيث ساعات العمل والعطل والمخاطر، التي لا تتوافق مع أحكام قانون العمل اللبناني الحالي.

اخيراً، يقتضي القول إنه من المفترض الإسراع بالبت بالقانون البري لأسباب عدة، منها إمكانات لبنان النفطية في البر والتي تأكدت بموجب أعمال المسح التي أجريت، وعدم وجود معوقات أو مشاكل حدودية في البر اللبناني، على خلاف البحر، وتدني الكلفة الإنتاجية للتنقيب في البر إذ هي أقل بكثير من كلفة التنقيب في البحر، علماً أن التجارب في دول أخرى تعطي إمكان تخصيص عملية الاستكشاف والانتاج لشركة أو إثنتين عكس ما هو منصوص عليه في عملية الاستكشاف والإنتاج في البحر، فضلا عن حماسة الشركات الكبرى والمتوسطة الحجم لأعمال التنقيب البري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق