الاثنين، 8 سبتمبر 2014

اتفاقات اقليمية اضافية تُبعد لبنان عن النفط



مع مرور الوقت، يتضح أكثر فأكثر أن لبنان يفقد فرصته الذهبية بالتحوّل الى بلد منتج للغاز والنفط. وتدل المؤشرات حتى الان ان الثروة التي كان متوقعاً الحصول عليها جراء استخراج النفط تتقلص تلقائياً، وهي معرضة للانكماش اكثر في حال استمر التأخير في بت هذا الملف. وفي النتيجة، قد يتم استخراج النفط، لكن ارباحه في غالبيتها لن تكون للبنان، بل للشركات.
في مطلع العام 2014، أعلن وزيرالطاقة آنذاك جبران باسيل عن تأجيل ثالث وأخير لمهلة تقديم عروض المزايدة لاستخراج النفط، من قبل الشركات المؤهلة للاشتراك في دورة التراخيص الأولى. وكاد باسيل يقسم انها المرة الأخير التي يتم فيها التأجيل، على اعتبار انه أدرك حجم الضرر الذي يلحقه التأجيل بقدرة لبنان على تأمين عقود منصفة للثروة التي تم اكتشافها في بحره.
لكن الثالثة لم تكن ثابتة مع باسيل، وجاء بعده خليفته ارتور نظريان، وأنجز حتى الان تأجيلين، ودخلنا بذلك التأجيل الخامس، وهو لن يكون الأخير طبعا.
وقد برزت ردود فعل من قبل شركات عالمية تنوي الدخول في المناقصات. ومن خلال المعلومات التي جرى تداولها في عواصم العالم، تبين بوضوح ان قسما كبيرا من الشركات العالمية فقدت شهيتها في الدخول في المناقصات اللبنانية. لكن الأهم، أن الشركات التي لا تزال تنوي المشاركة، لن تقدّم للبنان عروضاً مغرية كما كانت ستفعل في بداية اطلاق المناقصات.

ويعود السبب في ذلك الى نقطتين اساسيتين:
اولا- الانطباع السلبي الذي خلفه التأجيل المتكرر للمناقصات، بحيث أظهر «قدرة» لدى الحكومة اللبنانية على عدم احترام التزاماتها. وهذا الامر، يعني ان الدولة قد لا تحترم اية التزامات اخرى تجاه الشركات العالمية، بما يعني ان احتمال حصول مفاجآت غير سارة وارد بقوة حتى بعد اجراء المناقصات والتلزيم.

ثانيا – ان التأخير سمح لاسرائيل وقبرص، وربما قد يسمح لسوريا ايضا، في «خطف» أفضلية بيع الغاز في المنطقة، بما يضع لبنان لوحده في مواجهة ايجاد اسواق لتصريف انتاجه، في حال تم الاستخراج فعلا. وهذا الوضع سيؤدي الى خسائر فادحة، وسيضطر لبنان الى تلزيم نفطه بأبخس الاسعار.

وقد جاء اعلان اسرائيل أخيراً، عن عقد اتفاق تفاهم لبيع الأردن كميات من الغاز الطبيعي من حقل «لفيتان» لتزيد من سوداوية المشهد النفطي في لبنان. تبلغ مدة العقد 15 عاماً بقيمة تتراوح بين 15 و18 مليار دولار. وهذا هو الاتفاق الثاني التي تعقده اسرائيل لبيع الغاز للأردن والاتفاق الخامس مع دولة عربية بعدما كانت ثلاث اتفاقيات أخرى قد أبرمت مع مصر والسلطة الفلسطينية.

وقد بلغت قيمة مجموع العقود التي ابرمتها اسرائيل حتى الان لبيع غازها في المنطقة، حوالي 175 مليار دولار. وهي تحتفظ لنفسها بنسبة مئوية لتزويد السوق المحلي بالغاز. وهي بذلك تكون قد أنجزت القسم الاكبر من العقود التي تحتاجها لتسويق انتاجها من النفط في السنوات الـ15 المقبلة.

هذه الاندفاعة الاسرائيلية، وان كان البعض يرى فيها طموحات سياسية من قبل اسرائيل بهدف ربط دول المنطقة بها، الا أن الناحية الاقتصادية تبقى اساسية، لأن هذه الاتفاقات تتم بعد اقتتناع تل ابيب بالجدوى الاقتصادية لبيع الغاز في المنطقة، وعدم انتظار لبنان وقبرص وربما سوريا لتصدير غاز حوض المتوسط بكميات كبيرة الى الاسواق العالمية.

هذا الوضع يعني ان لبنان يفقد فرص انجاز اتفاقات لبيع نفطه في المنطقة، وسيكون مضطرا الى البحث عن الاسواق الأبعد، بما سيؤدي الى رفع الكلفة، وزيادة سعر غازه، او القبول بربح أقل، على اعتبار ان النقل بات يشكل نسبة مرتفعة من قيمة السلعة.

كما سيؤدي ذلك أيضا الى اضمحلال قدرة لبنان على تطوير حقوله النفطية بتمويل ذاتي، لأن الكلفة ستكون مرتفعة خصوصا اذا كان التصدير سيتم بالبحر، بحيث سيكون من الضروري انشاء معمل لتسييل الغاز قبل تحميله في الناقلات.

كل هذه التعقيدات من شأنها أن تسمح للشركات العالمية التي قد تبقى للمشاركة في المناقصات، بفرض شروطها القاسية، على اعتبار انها ستكون مسؤولة عن جلب القروض لتطوير الحقول، وانشاء التجهيزات. وهذه التكاليف ليست بسيطة وهي تصل الى عشرات مليارات الدولارات.

في كل الاحوال، لا يبدو ان الحكومات المتتالية في لبنان نجحت في تحريك هذا الملف في الاتجاه الصحيح. وبدلا من التلهي في نقاشات حول البلوكات، كان حري بها التركيز على ضرورة ترسيم الحدود البحرية، وهي ألف باء التلزيم والاستخراج. لكن يبدو ان هناك قرارا خفيا في مكان ما، بمنع استخراج النفط في هذه الحقبة، او في احسن الحالات، هناك اهمال وجهل مستشريان الى حدود التفريط بهذ الفرصة التي حظي بها البلد ومواطنوه للتحول الى عصر النفط، عصر المال الاضافي والعيش الرغيد، فيما لو أحسن استغلال الثروة واستثمار خيراتها.

حاليا، لا يملك لبنان من مقومات استخراج النفط، سوى مناقصات مجمدة ومؤجلة للمرة الخامسة، والحبل على الجرار، وهيئة ادارة قطاع، يحاول أعضاؤها تعويض غياب بدء الاستخراج، بتنظيم ورشات عمل، وحضور مؤتمرات متخصصة عن النفط حول العالم، وتنظيم مؤتمرات محلية هدفها تحضير المجتمع اللبناني لحقبة النفط. وقد تنتهي ولاية الهيئة التي بدأت قبل نحو عامين، وتكون قد اكتفت بتحضير المجتمع لحقبة نفطية قد لا تأتي أبدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق