الخميس، 4 سبتمبر 2014

الوقت يعاكس الطموح النفطي للبنان


يشير تمديد آخر لجولة مناقصات التنقيب عن النفط في المياه البحرية اللبنانية إلى فشل آخر من ضمن قائمة طويلة لعدم الكفاءة وقصر النظر لدى النخبة السياسية. ففي كانون الأول (ديسمبر) 2012، أُسِّست إدارة لقطاع البترول تتولى شؤون هذا القطاع وإدارة عمليّة المناقصات. وأُجِّلت العمليّة أشهراً بسبب الخلاف السياسي حول أسماء أعضاء اللجنة. وفي نيسان (أبريل) 2013، أُطلِقت جولة التأهيل المسبق التي نالت اهتمام شركات عالمية للطاقة في شكل تجاوز بكثير الاهتمام الذي ناله جيران لبنان. وكان مقرّراً أن يبدأ تقديم المناقصات بعد بضعة أشهر لكنّ ذلك لم يحصل. وحُدِّدت تواريخ وأُجِّلت بما فيها تاريخ 10 آب (أغسطس) الماضي وهو الأخير ولاقى المصير ذاته.


ما هي حجّة لبنان كي لا يمضي قدماً في جولة المناقصات؟ تحاول النخبة السياسيّة الإيحاء بأن الأمر يتعلق بالوضع السياسي والأمني المضطرب. لكن حتى كردستان العراق لم تتوقّف عن ضخ النفط على رغم كلّ مشاكلها الشهر الماضي، علماً أنّ إنتاجها يمرّ عبر طريق بريةّ، ما يجعله أكثر عرضة للاضطرابات. إضافة إلى ذلك، أطلقت دول منتجة في الأسواق الناشئة عمليّة المناقصات وأنجزتها في ظروف صعبة.

أمّا السبب الآخر الذي يروّج له فهو إداريّ، كون مرسومين يتمتعان بأهميّة بالغة ما زالا عالقين. وما يثير الدهشة أنّ هذين المرسومين اللذين يغطّيان ترسيم مناطق التنقيب واتفاق الاستكشاف والإنتاج كانا قيد المراجعة لأشهر من إدارة قطاع البترول وكل الوزارات المختصّة ناهيك عن جهات خارجية متخصصة بالاستشارات القانونية. وقدمت الشركات المؤهلة مسبقاً وأصحاب الحقوق تعليقاتهم وتبادلوا الأفكار مع الحكومة في شأن هذين المرسومين العام الماضي. وعيّن رئيس الوزراء تمام سلام لجنة مؤلّفة من ثمانية وزراء للمراجعة وتقديم ملاحظاتها النهائيّة. وقام معظم الوزراء بما عليهم وعولجت مخاوفهم ما عدا وزير أو اثنين تخلفا بحجّة «ضيق الوقت بسبب جدول أعمال مثقل»، بعد أشهر من تعيين اللجنة.

يتبين الآن، أنّ الأسباب الحقيقيّة للتأجيل قد تكمن في الخلاف على اقتسام العمولات والأرباح، وفي الوقت ذاته تسجيل نقاط سياسيّة. لكن على النخبة السياسية اللبنانية أن تبدأ بفهم ما تشكّله المناقصات من حلّ لمشاكل البلاد، وأنها ليست منبراً لتحقيق الأهداف السياسيّة أو الأرباح الفرديّة. فعمليّة الاستكشاف والتطوير ستوجد فرص عمل واستثمارات أجنبيّة يحتاج إليها لبنان، فيما ستؤمّن إمكانيّة الإنتاج المحتمل سيولة للخزينة ومستقبلاً أفضل للأجيال المقبلة.

على النخبة السياسية أن تدرك أنّ قيمة هذه الموارد الطبيعية المحتملة متقلّبة وهناك خطر يتمثل في حلول يوم يصبح فيه إنتاج النفط والغاز البحري من شرق المتوسّط غير مجد تجاريّاً، إذ سجّلت أسعار النفط أخيراً انخفاضات لافتة، على رغم عدم الاستقرار في أماكن كثيرة مع التصعيد السياسي والأمني في أوكرانيا والعراق وليبيا واليمن وسورية.

ففي الماضي، كانت الصراعات في البلدان المنتجة للنفط والغاز أو في جوارها تؤدّي إلى ارتفاع أسعار النفط. والآن غيّرت ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة واستعداد المنتجين الآخرين الذين لديهم كميّة فائضة لتغطية النقص في الإنتاج بسبب الاضطرابات ديناميّة السوق وجعلت صدمة الأسعار أقلّ إثارة للتوتر.

وعلى النخبة السياسية اللبنانية أن تدرك أن الولايات المتحدة تستعدّ لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وأفريقيا الشرقية تستمرّ في تنفيذ اكتشافات جديدة، والطاقة البديلة تحقق قفزات تكنولوجية، وجيران لبنان ينفذون اكتشافات أو بدأوا فعلاً بالإنتاج. كل هذه الوقائع قد تؤدي إلى خفض الأسعار وإيجاد موارد بديلة.

هل تستطيع النخبة السياسية في لبنان وضع حدّ للتلكؤ والمماطلة، كي لا تصبح هذه الفرصة حلماً متلاشياً؟ يبدو أنّ الأمر مشكوك فيه نظراً إلى تاريخ من عدم كفاءة والفشل المزمن في معالجة معظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.

سامر عباس خلف
كاتب متخصص بشؤون الطاقة - بيروت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق