الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

ماذا يقول صندوق النقد عن نفط لبنان؟



تبقى توصيات صندوق النقد الدولي إزاء إدارة ثروة لبنان الهيدروكاربونية (نفط وغاز) مهمة جداً كونها تشكّل قاعدة وتوجيهات وإضاءات تمّ استخلاصها من تجارب في دول مختلفة. فما هي هذه الرؤيا والتوصيات...
يُتوقع أن يصبح لبنان دولة منتجة للنفط خلال السنوات العشر المقبلة. ويعد حجم الاحتياطيات النفطية في المياه الاقليمية اللبنانية نحو 25 تريليون قدم مكعب.
وسوف يشهد لبنان مدخولاً مالياً مهماً بدءاً من العام 2020 في افضل السيناريوهات. يبقى على الدولة اللبنانية أن تحسم امرها ازاء الادارة الرشيدة لهذا القطاع، وأن تقرّر أيّ حصة من المداخيل سوف تنفقها وأيّ حصة سوف تدّخرها او تستثمرها وأن تضمن فعالية المؤسسات التي تدير هذه الثروة الوطنية وشفافيتها. من جهته حضر صندوق النقد الدولي سيناريوهَين حول قيمة المداخيل المتوقّعة من استثمار انتاج وبيع الثروة النفطية اللبنانية.

- متى سوف تتحقق هذه المداخيل؟ وإلى أيّ تاريخ زمني يمكن أن تستمرّ؟

السيناريو الاول: يُقدّر صندوق النقد الدولي أن يتمكن لبنان من إنتاج وبيع نحو 13 تريليون قدم مكعب من النفط والغاز على أن يبدأ المردود المالي في العام 2021 كما يتوقع أن يستمرّ الانتاج حوالى 35 عاماً على أن تكون ذروة الانتاج في العام 2036.
ويرى الصندوق انه بدءاً من العام 2043 سوف يشهد انتاج الغاز تراجعاً سريعاً وسيصبح الانتاج ضعيفاً جداً في العام 2055. أما المداخيل فتُقدَّر بـ 4 في المئة من الناتج القومي العام اللبناني أي نحو 14 في المئة من إجمالي مداخيل الدولة. ويستطيع لبنان أن يستفيد من المداخيل في جزءٍ منها لإعادة ترميم البنى التحتية مثل الكهرباء والاتصالات والمياه والمواصلات.
السيناريو الثاني: يقدّر حجم الاحتياطيات النفطية التي يمكن استخراجها وبيعها بدءاً من العام 2021 بنحو 25 تريليون قدم مكعب. ويتوقع أن تدوم هذه الانتاجية اكثر من 35 عاماً على أن تبلغ ذروتها في العام 2036 وتتواصل ذروة الانتاح حتى العام 2050.
ويتوقع أن تشكل المداخيل نحو 7 في المئة من الناتج القومي العام أي نحو 25 في المئة من اجمالي المداخيل في العام 2030. ويعرض صندوق النقد الدولي اربعة انواع من الصناديق السيادية لادارة الثروة النفطية وهي كالتالي:
اولاً: صندوق ضمان استقرار المداخيل: وهدف هذا الصندوق دعم الموازنة العامة والاقتصاد اللبناني وحمايتهما من تداعيات تقلبات اسعار النفط والغاز وهذا النوع اعتُمد في التشيلي وروسيا وإيران. ويرتكز على استثمارات قصيرة الاجل ومرتفعة السيولة وبالتالي فإنّ مردود هذا الصندوق هو قليل عموماً.
ثانياً: صندوق التنمية: وتوجّهات هذا الصندوق هي نحو توظيف المداخيل في مشاريع اجتماعية واقتصادية مثل البنى التحتية ويُعتمد هذا النوع من الصناديق السيادية في كلّ من الامارات العربية المتحدة وإيران.
ثالثاً: صندوق احتياطات التعويضات العامة: ويهدف هذا النوع من الصناديق السيادية الى إيجاد الاموال الضرورية لمواجهة التزامات الدولة المستقبلية في ما خصّ التعويضات على مختلف انواعها. ويعتمد هذا النوع في كلّ من التشيلي واوستراليا وايثرلندا نيوزيلندا.
رابعاً: صندوق الإدخار للمستقبل: هذا النوع تمّ اختياره لبنانياً كما ينصّ قانون النفط في العام 2010 ويهدف هذا الصندوق الى إشراك الأجيال المقبلة بهذه الثروة الوطنية غير الدائمة وغير المتجدّدة، بحيث يتمّ تحويل الثروة النفطية الى أصول مالية متنوّعة لتمكين الاجيال الحاضرة والمستقبلية من الانتفاع والاستفادة بشكل متساوٍ.
غير أنّ هذا الصندوق يواجه مخاطر غياب الضمانات خصوصاً إذا فشل في إنتاج المداخيل او العائدات المتوقّعة منه. ويُعتمد هذا الصندوق في كلّ من أبو ظبي وليبيا وروسيا أما الصناديق الثلاثة الاخيرة المذكورة فهي استثماراتٌ طويلة المدى.

ويُعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه من اختيار لبنان لصندوق الادخار كون ذلك قد يؤدي الى خسائر مالية قاسية للدولة وكون هذا الصندوق يوظف أمواله في استثمارات مرتفعة المخاطر وضعيفة السيولة.
وفي فترات الجمود الاقتصادي وعندما تلجأ الدولة لمال الصندوق لتحفيز الاقتصاد قد تُضطر الى بيع اصوله بأسعار متدنّية فتتكبد الخسائر الكبيرة، ولا سيما انّ لبنان يعاني عجزاً كبيراً في الموازنة يساوي 10 في المئة من الناتج القومي العام كما في العام 2013 ولديه اكبر نسبة من الدين العام الى الناتج القومي العام في العالم.
ويوصي الصندوق الدولي بأن يستخدم لبنان عائداتِ الغاز المباع لإطفاء جزء من الدين العام ما سوف يؤدي مباشرة الى تخفيض كلفة الدين العام، واذا ما تمكن من تخفيض نسبة الدين الى الناتج القومي الى 100 في المئة فإنّ الدولة سوف توفر سنوياً نحو 4,4 مليار دولار اميركي.
وسوف يساعد ذلك على تحسين درجة تصنيف لبنان وبالتالي تراجع كلفة الاستدانة، الامر الذي سوف يمكن القطاع الخاص من الاقتراض بكلفة متدنية ما سوف يساهم في دعم قدرته التنافسية وتعزيز النموّ الاقتصادي.
ومن جهة أخرى يحذّر الصندوق الدولي من احتمالات استخدام اموال صندوق الادخار لأهداف مختلفة عن الموضوعة، وأنّ نسبة الفساد المرتفعة تعرِّض هكذا صندوق لإدارة من النوع السيّئ وغير الفعال كون الافراد يعيّنون لاسباب بعيدة من مبادئ الاهلية وامتلاك القدرات المطلوبة.

ويُذكر انّ هناك ثلاث استراتيجيات مالية لاستعمال مداخيل الصندوق الإدخاري وهي التالية:
الاول: وينصّ على استخدام الثروة النفطية بشكل متساوٍ سنوياً على مدى الـ 35 عاماً.
الثاني: ينصّ على استخدامٍ أكبر للثروة خلال السنوات الاولى القليلة على أن يتمّ التعويض عن ذلك باعتماد إصلاحات مالية. فإذا تمّ استهلاك الثروة خلال خمس سنوات يجب ضبط النفقات خلال فترة عشر سنوات.
الثالث: ويعطي هذا النوع السلطة الاكبر للإدارة المالية في استثمار الثروة، وعلى رغم الاستنزاف الكبير للثروة في البداية إلّا انّ سوف يُعوّض بتسريع نسبة النموّ وبزيادة المداخيل المستقلّة عن الثروة النفطية في المستقبل.
ومهما كانت الاستراتيجية المعتمَدة فإنّ الحرص على ضمان شفافية عمل إدارة المال العام على مستوى الثروة النفطية والمداخيل الأخرى يبقى ضرورياً كذلك المحافظة على الاستراتيجية المالية ذاتها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق