الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

لهذه الأسباب نفطُ لبنان قد يبقى في البحر

لا شك في أنّ ملف النفط في لبنان سيكون في طليعة الملفات التي ستحظى بالاهتمام الرسمي والشعبي فور إقلاع القطار الحكومي. فهل انّ الثروة النفطية في لبنان ضخمة فعلاً الى هذا الحد؟

عندما برزت التباينات بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزيرالطاقة جبران باسيل في الحكومة الميقاتية حول طريقة تلزيم بلوكات النفط، تمحور الخلاف حول نقطة اساسية: هل يتمّ تلزيم البلوكات العشر في سلة واحدة، بما فيها البلوكات الجنوبية المحاذية للحدود البحرية مع اسرائيل، كما يدعو بري، أم ينبغي الاكتفاء بتلزيم بلوكين في الوسط، كما يدعو باسيل؟

يومها انقسمت المواقف حول هذا الموضوع على اساس انّ مَن سانَد نظرية بري انما كان يريد ان يؤكد حقّ لبنان في الحصول على كل نَفطه من دون انتظار ترسيم الحدود مع اسرائيل. ومَن دعم نظرية باسيل، انما اقتنع بنظرية خُذ ثم طالب.

اذ يتمّ تلزيم بلوكين، واذا ما تبيّن وجود نفط وغاز فيهما بكميات كبيرة، عندها يمكن تحسين شروط لبنان في تلزيم بقية البلوكات، بدلاً من الارتباط منذ الان ولمدة 25 سنة بعقد يشمل البلوكات كلها.

وقد تعامل السياسيون مع الخلاف من منطلق سياسي، بدليل انّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دعم في حينه نظرية باسيل، على أساس انّ بعض النظريات قد تكون تهدف الى تجميد التنقيب، عبر زَجّ البلد في مشكلة مع اسرائيل، على اعتبار انّ البلوكات الجنوبية الحدودية لا تزال موضع خلاف وتجاذب في قسمٍ منها مع اسرائيل.

لكن يتبيّن اليوم، انّ فكرة التلزيم على مراحل تنطوي على مخاطر، وانّ تلزيم كلّ البلوكات قد يكون مجدياً أكثر، فيما لو تمّ تسريع عملية ترسيم الحدود مع اسرائيل عبر الامم المتحدة.

الاهتمام الأميركي
وفي هذا الاطار، يعتقد كثيرون انّ الاهتمام الاميركي الحاليّ بلبنان نابع من الاهتمام بالنفط اللبناني. لكنّ هذه النظرية تبدو باهتة لأسباب عدة، من أهمها:

أولاً - لم يعد النفط يحتلّ الاولوية في السياسات الخارجية الاميركية، بدليل ما جرى في العراق، حيث كان الاعتقاد السائد انّ اميركا تدخلت هناك لتضَع يدها على الثروة النفطية. لكنّ التطورات أثبتت خطأ هذه النظرية، والمبالغ التي دفعها الاميركيون في عملية التدخل، لا يمكن تعويضها حتى لو حصل الاميركيون على كامل النفط العراقي، فكيف اذا كانوا قد خرجوا كما دخلوا تقريباً؟

ثانياً - انّ الثروة النفطية في لبنان، ترتكز على الغاز وليس على النفط. وبالتالي، من المستبعد أن يبني الاميركيون تحركاتهم على أساس هذه الثروة، لأنّ أميركا ستتحوّل عمّا قريب من بلد مستورد الى بلد مصدّر للغاز بفضل النفط الصخري الذي يرتفع منسوب انتاجه تدريجياً في الولايات المتحدة الأميركية.

ثالثاً - انّ الجدوى الاقتصادية والتجارية للغاز اللبناني في البحر ليست واضحة على رغم التفاؤل المفرط الذي يُبديه البعض، الى حدّ الاعتقاد انّ مستقبل البلد الاقتصادي مرتبط بهذا الملف.

هشاشة الوضع
في الواقع، يواجه الغاز اللبناني عاملين سلبيّين يمكن أن يُفقداه أهميته التجارية:

أولاً- عدم ترسيم الحدود البحرية في وقت مُبكر أفقدَ البلد ورقة مهمة. وليس صحيحاً القول: لا شيء مستعجلاً في هذا الموضوع، لأنّ النفط موجود ولن يذهب الى ايّ مكان، نستخرجه ونبيعه ساعة نشاء. فهناك شروط لكي يبقى النفط أو الغاز يتمتعان بالأهمية، من أهمها أن تكون الكميات كافية تجارياً.

وهنا نتحدث عن عملية الاستخراج المكلفة في البحر، وعن عملية التسييل لكي يصبح الغاز جاهزاً للتصدير. وقد حاولت اسرائيل ان تتفِق مع قبرص لإنشاء مصنع تسييل الغاز يتولى معالجة كل كميات الغاز التي تُستخرج من حوض المتوسط.

لكن هذا المشروع تعثّر، وقد يتمّ صرف النظر عنه، بعدما رأت اسرائيل انّ لبنان متخلّف في استخراج غازه، وقد يستغرقه الأمر طويلاً، وسوريا في حال حرب، ولن تستخرج غازها عمّا قريب. وبالتالي، لا جدوى اقتصادية من إقامة مصنع تسييل بكلفة مرتفعة لكميات غير كافية من الغاز.

وبالتالي، انسحبت اسرائيل مبدئياً من الكونسورتيوم المتوسطي الذي كان يعتمد نظرية انّ استخراج الغاز من قبَل كل دوَل المنطقة، هو ذو جدوى اقتصادية اكبر، لأنه يتيح التصدير عبر ناقلات النفط.

وعمدت اسرائيل الى عقد اتفاقات ثنائية بديلة لتصدير غازها، خصوصاً من حقل «ليفتان» الكبير. وهي باتت تمتلك اتفاقين لتوريد الغاز الى السلطة الفلسطينية، والى الاردن. وهي تحتاج ربما الى اتفاق ثالث مع تركيا ورابع مع مصر.

وعندها، تكون قد أمّنت اسواق التصدير المناطقي، واستغنَت عن الاعتماد على غاز المتوسط للتصدير الى مناطق بعيدة. والحال هذه، الى أين يمكن ان يُصدّر لبنان غازه؟ وهل يبقى الغاز مُجدياً تجارياً، اذا كانت كمياته متواضعة نسبياً، وينبغي إقامة مصنع تسييل، ومن ثم تصديره الى أماكن بعيدة، حيث تصبح كلفة النقل باهظة؟

ثانياً- لا يمكن الجَزم بالكميات الفعلية من الغاز الموجودة في المياه اللبنانية. هنا، يمكن العودة الى صراع نظريتَي تلزيم كل البلوكات او التلزيم التدريجي. اذ انّ الاتّكال على انّ التلزيم التدريجي يحسّن شروط لبنان في تلزيم بقية البلوكات قد لا يكون دقيقاً في حال تبيّن انّ البلوكات التي جرى تلزيمها أوّلاً خالية من الكمية المطلوبة من الغاز للاستخراج التجاري.

وهذا الامر ليس مستبعداً، ولا يمكن البناء على نتائج المسوحات للجزم بوجود النفط والغاز. والنماذج لا تنقصنا، إذ يمكن إلقاء نظرة على الجانب الاسرائيلي المحاذي لحدودنا البحرية، والذي سبقنا في المسح والتنقيب.

وخلال سنتين تلقّت اسرائيل ضربتين في مجال التنقيب. الضربة الاولى في حقل «سارا» الذي يبعد 70 كلم في عمق البحر المتوسط، حيث تبيّن بعد الحَفر انه خال من الغاز والنفط، في حين انّ تقديرات المَسح كانت تشير الى وجود 42 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، إلى جانب 21 مليون برميل من النفط.

وقبل ذلك، كانت اسرائيل تلقّت ضربة أخرى، بعدما تبيّن انّ حقل «ميرا» البحري شبه خالٍ من الغاز، على رغم انّ نتائج المسوحات كانت متفائلة.

هذه النماذج تؤكد انّ احتمالات عدم وجود غاز في أيّ بلوك لبناني أمر قائم ومحتمل وينبغي التعاطي بواقعية مع هذا الموضوع.

وبالتالي، اذا فقد لبنان القدرة على الإفادة من غاز دوَل المنطقة، في عملية استخراج الغاز، قد يفوتنا القطار، وهو بدأ يبتعد فعلاً، وقد نصِل الى يوم نكتشف فيه انّ الثروة التي حلمنا بها تبددت، ولم يعد في مقدورنا استخراج النفط والغاز بسبب سقوط الجدوى الاقتصادية.

(انطوان فرح - الجمهورية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق