الأربعاء، 17 أغسطس 2016

شركة النفط اللبنانية... "محاصصة" في هيكل متصدّع


مارك أيوب

بعد اللقاء الذي جمع رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه برّي ووزير الخارجية جبران باسيل بداية الشهر الماضي، وما رشح عنه من اتفاق نفطي توصل إليه الطرفان، كثر الحديث في وسائل الإعلام عن تداعيات هذا اللقاء وعن إمكان المضي قدماً في هذا القطاع بما فيه إقرار المرسومين النفطيين العالقين في مجلس الوزراء .

كثر ذهبوا في تفاؤلهم إلى حد الاعتبار أن فتح باب دورة التراخيص الأولى وتلزيم البلوكات (مربعات النفط) البحرية بما فيها الجنوبية منها (والتي تعتبر منطقة متنازعاً عليها مع الاحتلال الإسرائيلي) أصبح قاب قوسين أو أدنى، حتى وصل الأمر إلى تسمية الشركات التي سوف تتولى التنقيب في المناطق الجنوبية والشمالية.

إلا أن موجة التفاؤل هذه ما لبثت أن تبددت تدريجياً بعد حوالي 10 أيام، وبروز مواقف سائر القوى المكونة للحكومة اللبنانية، وتريث رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام في دعوة اللجنة الوزارية المختصة لدراسة الملف والمراسيم العالقة إلى حين حصول "إجماع وطني شامل" يوحد الرؤية لهذا القطاع ويرسم خريطة طريق للسنوات لا بل الأجيال المقبلة.

تجدر الإشارة هنا، من خلال جولة تفصيلية على كل ما كتب وصدر من أكثر من جهة بما يخص الاتفاق النفطي، إلى عودة الحديث عن أمرين (تقنيين لا سياسيين) جوهريين في بنية هذا القطاع الحيوي، الذي يُنتظر منه أن يكون خشبة خلاص الاقتصاد المهترئ، ألا وهما النظام الضريبي وشركة النفط الوطنية.

الأمر الأول يكمن في إعادة الحديث المتعلق بالنظام المالي الذي ستتبعه الدولة في قطاع النفط والغاز إلى المربع الأول، وطرح التساؤلات والانتقادات حول الرسوم والضرائب التي ستفرض على الشركات العاملة وحصة الدولة من الإنتاج والأرباح.
أمرٌ، لن نتوقف عنده كثيراً لأن حله بسيط، ويقتضي طرق أبواب هيئة إدارة قطاع البترول والجلوس مع أعضائها لمعرفة حقيقة الأرقام المتداولة إعلامياً والنماذج التي اتبعت من أجل اعتماد الأرقام المقترحة في مسودة المرسوم المتعلق بعقود الاستكشاف والإنتاج كما في مشروع النظام الضريبي.

أما الموضوع الثاني، فيتعلق بإنشاء شركة النفط الوطنية لتشرف على كل نواحي القطاع والذي أصبح محط نقاشٍ وطني ينقسم بين ضرورة إنشائها الآن وبين من يطلب التريث إلى حين معرفة الكميات المتوافرة في قعر مياهنا، وإطلاق عمليات الترخيص والإنتاج.

ينص "قانون الموارد البترولية في المياه البحرية" رقم 132/2010 على أنه يمكن الحديث عن "إنشاء شركة بترول وطنية عند الحاجة، وبعد التحقق من وجود فرص تجارية واعدة"، ما يعني صراحة الانتظار للتأكد من الكميات الموجودة (لا كميات غاز أو نفط مؤكدة قبل بدء عمليات الحفر) وتحقيق الاكتشافات التجارية وبدء الإنتاج. فلماذا عودة الحديث عنها الآن؟

يهدف إنشاء شركة نفط وطنية عادة إلى ضمان حصّة أوفر للدّولة من عائدات النّفط من جهة كما إلى تأمين مشاركة على الصعيد التجاري، فضلاً عن التأثير الذي ينتجه وجود شركة وطنية بين الشركات العالميّة. وبما أن النظام النفطي اللبناني يشبه إلى حدّ ما النظام النروجي والذي يعتبر من التجارب الناجحة على هذا الصعيد، لا بدّ من الاشارة الى أنّ الشركة الوطنية النرويجية ستاسويل Statoil لم تٌنشأ إلّا بعد 7 سنوات من بدء عمليّات الاستكشاف والإنتاج.

أي أن السبع سنوات الأولى ساهمت بدراسة الأرضية النفطيّة كما الكميّات الموجودة تحت إشراف الدولة النروجية قبل أخذ قرار إنشاء الشركة. وقد كانت الدولة تملك حتى نهاية القرن العشرين حصة توازي 50% من الشركة وكانت تغطي كل عمليات التطوير والإنتاج في حينه قبل أن تبدأ هذه النسبة بالانخفاض إلى أن خُصخصت عام 2001 وطرحت أسهمها في بورصة نيويورك (تملك الدولة اليوم 67% من الأسهم في حين أن الـ 33% المتبقية تشكّل أسهم للاستكتاب العام).
تجدر الإشارة هنا إلى أن هيئة إدارة قطاع البترول المنشأة عام 2012، والتي تعتبر الهيئة الناظمة للقطاع، قامت بكل ما يلزم من أجل تحضير الأرضية القانونية والتقنية اللازمة لإطلاق دورة التراخيص الأولى في المياه اللبنانية، وبالتالي، أثبتت قدرتها على إدارة القطاع وما من حاجة لأن تحل محلها شركة رديفة في هذه المرحلة.
وحتى لو أُنشئت الشركة الوطنية، فإن وجودها لا يتعارض مع الإطار التنظيمي للهيئة بما أن القانون يُحدّد الحاجة إلى شقّ اداري تنظيميّ (الهيئة) وشقّ تجاري يمكن أن تقوم به الشركات العالميّة بما في ذلك الشركة الوطنية اللبنانية.

على صعيد آخر، ووسط كل ما تتخبط به الدولة من عجزٍ اقتصادي وبنيوي في مختلف المؤسسات التابعة لها، وبعد تجربة النفايات الصلبة التي لم تندثر آثارها حتى اليوم، وما زال المواطن يعيش تداعياتها، كيف نخطو نحو بناء إدارة مستقلة جديدة في هيكل متصدع؟ ومن يضمن عدم التعامل معها بمنطق المحاصصة المتبع في مختلف الإدارات؟ استطراداً، من سيوفر الموارد المالية لشركة النفط الوطنية إلى حين بدء الإنتاج؟ ومن سيراقب عملها من حيث المساءلة والحوكمة وتجنب المحسوبيات إلى ما هنالك من زواريبٍ لبنانية؟ كل هذه الأسئلة، وسواها طبعاً، تحتاج أولاً إلى وضعٍ سياسي مستقر، وثانياً إلى رؤية وقيادة سياسيتين واضحتين لتنظيم ومراقبة هذا القطاع.

إن إنشاء شركة نفط وطنية اليوم سيشكل عبئاً على الاقتصاد اللبناني ويحمل الدولة مسؤولية وطنية جديدة، إلا إذا كان الهدف، وهنا النقطة الأساسية، استنساخ نموذجي الكهرباء والاتصالات في قطاع النفط، حيث تُغيب الهيئات الناظمة عمداً منذ عشرات السنين ولا يعين أعضاؤها، تاركين المجال للشركات التي تغيب عنها الرقابة المسبقة واللاحقة.

فهل من نية لتقليص دور هيئة إدارة قطاع البترول التي تنتهي مدتها عام 2018 مقابل شركة وطنية تطغى عليها المحسوبيات وسلطة الزعامات السياسية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق