الاثنين، 15 فبراير 2016

اتركوا النفط اللبناني في القعر!




لعلّ أصدق تعبير يختصر وضع لبنان، ويصيب حالة المراوحة والتخبّط التي ما زال يعيشها منذ أكثر من ثلاث سنوات، هي عبارة: بلد الفرص الضائعة. إذ مع ضياع العديد من الفرص السياسية والاقتصادية بسبب غياب الرؤية الموحدة والمنهجيّة الاقتصادية الواضحة، يبرز قطاع النّفط والغاز الذي يعيش حالة جمود منذ العام 2013. 

 
بين عامي 2008 و2013، شهد القطاع النفطي نقلة نوعيّة أسّست لوضع لبنان على الخارطة النفطية العالمية من خلال المسوحات الثنائية والثلاثية الأبعاد التي قامت بها الدولة في ذلك الحين لحوالي 90% من المياه الإقليمية اللبنانية. 
أضف إلى ذلك دورة التأهيل الأولى للشركات في نيسان/ أبريل 2013 التي استقطبت 46 شركة نفطيّة عالميّة لدورة التراخيص. كلّ ذلك سمح للبنان بمجاراة دول المنطقة، لا بل التقدّم عليها في الدراسات والمسوحات، وبدأ يعّد العدّة ليكون نقطة الوصل في مجال الطاقة بين شرقي المتوسّط ودول أوروبا الباحثة عن مصادر طاقة بديلة عن الغاز الرّوسي. 
إلى أن جاء وقت إقرار مرسومين مفصليين من قبل الحكومة اللبنانية يتعلقان بتقسيم البلوكات (المساحات) البحريّة واتفاقية تقاسم الإنتاج مع الشركات، فدخل القطاع في التجاذبات والمناكفات السياسيّة الضيقة، وأضحى يعيش في دوّامة التأجيل والتسويف (علماً أنّه تمّ تمرير 27 مرسوماً قبل هذين المرسومين). وبرغم نداءات الخبراء والاختصاصيين في هذا المجال، ودعواتهم إلى تحييد القطاع عن السياسة وإطلاق يد المعنيين للبدء بأعمال التنقيب عن النفط، ما زال الوضع على ما هو عليه منذ ما يقارب الثلاث سنوات. - 

إتفاقيات مشتركة

بالأمس القريب، وتحديداً نهاية الشهر الماضي، عُقدت في العاصمة القبرصية نيقوسيا قمة ثلاثية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني ألكسيس تسيبراس والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، تحت عنوان "خلق إطار دائم من القيم المشتركة، ولتحقيق الازدهار الإقليمي والبحث عن سبل التعاون في مجال الغاز الطبيعي". 
تطرقت القمة بالتفصيل إلى مسألة مد أنبوب للغاز بطول 1.700 كلم من الحقول التي تحتلها إسرائيل في المناطق الفلسطينية، والحقول القبرصية، وصولاً إلى أوروبا عبر اليونان، ومنها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي. وتقرر إنشاء لجنة على مستوى المدراء العامين لوزارات المالية القبرصية، الإسرائيلية واليونانية من أجل البحث بالموضوع. 
وما تقدّم يشكّل عاملاً سلبياً إضافيّاً للبنان، ويدلّ على مدى تكثيف دول المنطقة لنشاطاتها وتحالفاتها في الوقت الذي تتلهّى الدّولة اللبنانية بالقشور، لا بل يدل على آثار التأخير في إقرار القوانين النّفطية في لبنان وانعكاساته على دور هذا البلد الإقليمي، خاصّة مع ما يشاع أنّ هذا الأنبوب سيخترق المياه الإقليميّة اللبنانيّة ممّا يرتّب التّدخل من قبل الأمم المتحدة. 
وما كان ينقص هذا البلد سوى أخباره الرئاسيّة الأخيرة وتمحور كلّ التسويات والمبادرات في طيّاتها حول موضوع النّفط والغاز في لبنان. يكفي أن تقرأ بين سطور التسريبات، أسماء الدّاعمين والعرّابين لبعض المرشحين، ممّن لهم الباع الطويل في النّشاطات النّفطيّة في دول العالم، لتعرف حجم المؤامرة على الثّروات التي تشكّل خشبة خلاص اقتصاد لبنان المتصدّع، ولتدرك الحاجة إلى من ينتشله من هوّة الفساد الأخلاقي والماليّ التي يتخبّط بها. 
يشير الخبراء إلى أنّه لو قُدّر للبنان أن تسير عجلة أنشطته فعليّاً في 2013، لكان يُتوقّع أن يبدأ الإنتاج النفطي في عام 2020 أو 2021 على أبعد تقدير، أمّا وقد دخل الموضوع في التجاذبات، فقد أصبح التوقيت رهن القرار السّياسي البحت، فكم من فرصة تضيع سنة تلو الأخرى؟ 

قد تكون الصّورة بهذه الضّبابيّة فعلاً، إلّا أن بعض المتفائلين يرون في الأمر الكثير من الإيجابيّة، فكيف لدولة لم تقدر حتى اليوم على حل أزمة نفاياتها أن تدير ثروتها النّفطية؟ وإذا كانت المنهجيّة المتبعة هي نفسها السائدة في مختلف القطاعات، فالأفضل أن تُترك خيرات لبنان في القعر، حيث هي بأمان من مافيا الصفقات السياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق