الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

الآثار البيئية لخيار التنقيب عن البترول: إدارة «اللعنة» بوصفها «نعمة»

http://lebanongasandoil.blogspot.com/2014/12/blog-post.html



تقرير بسام القنطار

"الآثار البيئية والاقتصادية لخيار التنقيب عن النفط والغاز في لبنان"، عنوان دراسة تطلقها اليوم الهيئة اللبنانية للبيئة والانماء، اعدها الزميل حبيب معلوف. تحاول الدراسة رصد آليات التخفيف من الآثار المحتملة لخيار التنقيب، بعدما بدا مستحيلا جمع مجموعات ضغط كبيرة تؤسس لحملة رفض كلية لهذا الخيار.


بدعوة من الهيئة اللبنانية للبيئة والانماء، وبالتعاون مع وزارة البيئة ومؤسسة فريديريش ايبرت، تُعقد اليوم في القاعة الخضراء في وزارة البيئة حلقة مناقشة لدراسة بعنوان "الآثار البيئية والاقتصادية لخيار التنقيب عن النفط والغاز في لبنان" اعدها الزميل حبيب معلوف، وهي تعكس وجهة نظر "فريدة" تجاه موضوع حساس وبالغ الاهمية على المستوى الوطني، برغم انه لم يمثل اولوية لحكومة الرئيس تمام سلام.

يلفت معلوف في مقدمة دراسته الى انه لم يُفتح النقاش في لبنان على نحو واسع وعميق حول الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لخيار التنقيب عن النفط والغاز، لا قبل وضع الإطار القانوني لإدارة هذا القطاع الجديد، ولا بعده. ولا نوقشت إمكانات ودور وزارة البيئة في وضع دراسة استراتيجية للأثر البيئي لهذا الخيار.

وبحسب الدراسة، فإن الحديث عن "دراسة الأثر البيئي" لخيار التنقيب عن النفط والغاز واستخراجه غير واضح المقاصد. فما المقصود بدراسة الأثر البيئي، وأين تبدأ هذه الدراسة، وأين تنتهي؟ بعد تبني الخيار أم قبله؟ وماذا تشمل؟ ولعل أول مأخذ على هذا الخيار انه لم يأت من ضمن استراتيجية وطنية للتنمية تندرج تحتها استراتيجيات للطاقة والمياه ولباقي القطاعات.

وتقول الدراسة انه "لو اخذ معيار الاستدامة، كمعيار استراتيجي اول في اختيار مصادر ونوع الطاقة التي يفترض الاتكال عليها في لبنان، لجرى احتساب النفط والغاز في أسفل سلم المصادر المحتملة، لكونه مصدرا غير متجدد وغير نظيف، قياسا إلى الشمس والهواء وقوة جريان مياه الانهر والسواقي او حركة الموج، كما أنه لا يأخذ هذا الخيار بالاعتبار التجارب العالمية في هذا المجال، سواء في البلدان المتقدمة أو تلك النامية. إن من ناحية التشريع أو من ناحية ادارة المخاطر وكيفية تحاشيها. فاكبر دول العالم كالولايات المتحدة الأميركية، أعادت النظر بتشريعاتها المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز اثر الكارثة التي حدثت عام ٢٠١٠ في خليج المكسيك مع كبريات الشركات البريطانية (بريتش بتروليوم)، وقد تأخرت كثيرا لكي تستطيع ان توقف الكارثة بالرغم من امتلاكها أكبر الإمكانات في العالم، ولا تزال التقارير عن الآثار التي تركتها هذه الكارثة تتوالى كل سنة للتأكيد على فداحة هذه الآثار التي لا تمحى على ما يبدو. هذا في الدول الكبرى ومع شركات عالمية شهيرة، فما ستكون الحال مع بلد نام وصغير مثل لبنان، ليس لديه خبرات وقدرات في التشريع والإدارة ولا في التدخل والمعالجة... في حال حصول مشاكل او حوادث أو كوارث؟ وقد ظهر ضعفه وعجزه في الادارة اثر عدوان تموز ٢٠٠٦ عندما انسكب خزان فيول محطة الجية (لتوليد الكهرباء) في البحر، حيث حصل الإرباك في كيفية ادارة هذه المشكلة كما حصل تأخر وتعثر كبيرين في المعالجة لناحية التدخل السريع ونقص التجهيز وعدم وجود هيئة طوارىء واجهزة مجهّزة مدّربة ولا تزال بعض آثار هذه الكارثة مخزنة في مستوعبات لا نعرف كيف نتعامل معها، كما لا يأتي هذا الخيار بعد دراسة كل إمكانات الطبيعة اللبنانية مع استراتيجية لضبط استهلاك الطاقة وترشيد استخدامها في كل القطاعات ومراقبة الاتجاهات والاتفاقيات العالمية المتعلقة بتغير المناخ ودعم الطاقات المتجددة وإمكانية انخفاض أسعار الطاقات المتجددة مع الإمكانات الكبيرة في تقدم تكنولوجياتها لتمثل البديل الأرخص والأكثر استدامة، كما لم تدرس كفاية بعد اثر هذا الخيار على الاقتصاد عامة، وعلى الكثير من القطاعات التي ستتأثر سلبا باستخراج الغاز والنفط، إضافة إلى إمكانية استفادة الشركات على حساب الدولة وتحويل هذه "النعمة" الى نقمة والى مادة نزاع جديدة بين الافرقاء، ظهرت طلائعها في النزاع على وزارة الطاقة وفي طريقة التلزيم.

وتسلط الدراسة الضوء على المخاوف الكبيرة بشأن قدرة وزارة البيئة على إدارة المخاطر البيئية المتعلقة بادارة قطاع النفط والغاز.

وعلى الرغم من أن وزارة البيئة بدأت بالتفكير والإعداد لمراقبة القطاع، فإنها لا تزال تعاني نقصا وشحا في الميزانية، إضافة إلى ضعف قدرات الرقابة والإنفاذ. وبالتالي، هناك حاجة لبناء قدرات هذه الوزارة على الرصد والإنفاذ. فمن المهم تقويم احتياجات القدرات في وزارة البيئة لرصد وتطبيق المعايير البيئية في قطاع النفط والغاز، بما في ذلك عدد الموظفين ومهاراتهم، ومتطلبات الميزانية والمعدات... وفي نهاية المطاف، يمكن إنشاء "قسم النفط والغاز" ضمن وزارة البيئة، ليس من اجل قضايا التنقيب المستجدة فقط، بل من اجل التعامل مع حوادث التسرب التي تحصل دائما، إن من خلال تفريغ بواخر النفط والفيول في المنشآت النفطية والمعامل على طول الشاطئ، او من خلال تنظيف الحاملات ورمي بقاياها ونفاياتها في البحر، كما يمكن ان تمثل العمود الفقري لـ"هيئة الطوارئ المتعلقة بالتلوث النفطي"، التي كانت قد ابصرت النور في الوزارة عام ١٩٩٩ ثم عادت واختفت. وتقترح الدراسة إعادة إحياء لجنة الطوارئ وتعزيز تبادل المعرفة والتعاون مع المجتمع الدولي في مجال الاستعداد للطوارئ والاستجابة، وبناء القدرات الوطنية، بما في ذلك التجهيز والحصول على المعدات اللازمة وتوفير التدريب للجهات التي يفترض ان تكون في هيئة الطوارئ، من قوى امنية بحرية الى شرطة بلدية او وزارات معنية مثل الطاقة والبيئة والزراعة ومراكز علوم البحار ونقابات الغواصين والصيادين وغيرهم ممن لهم علاقة بالبحر.
تقول الدراسة إن "مسؤولية الشركات البيئية" او ما يسمى "المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية للشركات"، وضعتها الشركات النفطية الكبرى في استراتيجياتها تحت عنوان المساهمة في حماية البيئة وترجمتها بتقديم الدعم والتمويل للمنظمات البيئية. وهذا ما ترك آثارا سلبية جدا على استقلالية المنظمات البيئية وضرب صدقيتها. وهذا ما نتخوف منه في لبنان، أي ان تتحول المنظمات المدافعة عن البيئة الى منظمات مدافعة عن الشركات او متسترة على جرائمها البيئية، تماما كما حصل مع شركات الاسمنت في الفترة الاخيرة.

وتتجاوز المخاوف من تأثيرات قطاع النفط والغاز على البيئة لتشمل الاقتصاد ككل، إضافة إلى التداعيات البيئية، يمكن لتطوير قطاع النفط والغاز أن يكون له آثار سلبية على القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية على وجه التحديد، كما وعلى الاقتصاد ككل من خلال ظاهرة "المرض الهولندي". وأولى نتائج تحول دولة نامية مثل لبنان الى دولة نفطية، أن تتحول الدولة الى "ريعية"، اي إلى دولة تتكل على ريوع النفط والغاز، او على ما يبقى من العوائد، بعد ان تحقق الشركات الملتزمة ارباحها الضخمة... وتضرب بالتالي القطاعات الانتاجية.
تخلص الدراسة الى ان الادارة السليمة للمخاطر على منشآت النفط والغاز تتطلب مراجعة القوانين الدولية ولبننتها واعتماد منهجية موحدة لادارة المخاطر، وإنشاء نظام إداري يفرض على شركات النفط تقديم تقارير سنوية حول حالة السلامة العامة والسلامة الإنشائية في المنشآت، وإنشاء وحدة في القطاع العام لمراقبة مستويات السلامة في المنشآت.

كذلك يفترض ان تتحصن الدولة بدراسات عاجلة ومسح للتنوع البيولوجي في لبنان برا وبحرا، تمهيدا للوصول الى قاعدة بيانات توثق الأنواع الموجودة كافة، لاستخدامها لاحقا في حال حصول حوادث ومقاضاة للشركات. وإنشاء "هيئة طوارئ" مدربة ومجهزة للتدخل عند الحاجة في المراقبة والمعالجة. والإعداد لبنية تحتية متكاملة للتدخل والمعالجة إذا حصلت حادثة او كارثة نفطية، وتجهيز المراكب بالبومبز عازل مائي لعزل البقع. وماكينات للشفط. ومواد لتشتيت البقع وتفكيكها لإضعاف تكثفها وتأثيرها. ومسح الشاطئ لمعرفة القيمة الايكولوجية لكل موقع. ودراسات مسبقة لتحديد الفرق بين تلوث الغاز المتسرب والتلوث النفطي، اذ ان التلوث النفطي اخطر بينما الغاز مفعوله محلي. والحاجة الى قوانين خاصة بالتلوث النفطي تحدد فيها المسؤوليات وكيفية المحاسبة والعقوبات. وتحديد آليات وشروط تلتزم فيها الشركات للإبلاغ وكيفية مراقبة وتدريب خفر السواحل للقيام بدورها في المراقبة والتحقق وتسجيل الملاحظات. ووضع بروتوكول ملزم للشركات يتعلق بالإجراءات الوقائية كما بإجراءات المعالجة. ويحدد في كل حالة كيفية التدخل. وإنشاء مصلحة خاصة في وزارة البيئة للمتابعة، تضم كادرا بشريا متخصصا ومدربا إضافة إلى التجهيزات اللازمة للمتابعة.

البيانات البيئية لأعماق البحر

لم يدرس "مركز علوم البحار" بعد المناطق العميقة، ولا سيّما تلك المناطق التي سيجري فيها التنقيب والحفر، فالدراسات المتوافرة حتى الآن للتنوع البيولوجي البحري، بحسب مسؤولي المركز، هي على أعماق لا تتجاوز 100 متر فقط، وليس في كل المناطق. مع العلم أيضا ان دراسة الأعماق تتطلب إمكانات اكبر بكثير من المتوافرة حاليا في لبنان، لدراسة التنوع البيولوجي البحري وخصائص المياه. فكيف ستجري مقاضاة الشركات اذا حصلت حوادث تسرب وتلوث ما، وبناء على أية أسس وقاعدة بيانات ومعلومات لما كانت عليه الأحوال، قبل حصول الحوادث، لتقويم الأضرار وتحديد التعويضات؟

http://al-akhbar.com/node/221004

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق