الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

ماذا وراء الهبوط الكبير لأسعار النفط؟



يتوقّع الخبراء تراجع أسعار النفط الى 70 دولاراً للبرميل. فهل هي حرب أسعار بين الاميركيين والسعوديين من جهة وروسيا وايران من جهة ثانية أم هي سياسة لتحفيز الاقتصاد العالمي بدلاً من ضَخ السيولة؟ أم انها تهدف لإصابة عصفورين بحجر واحد؟

تراجعت أسعار النفط العالمية بنسبة 3 في المئة الاسبوع الماضي وبنسبة 20 في المئة خلال الاشهر الثلاثة الماضية لتُلامِس مستوى 80 دولاراً للبرميل. ويبدو انّ الهبوط سوف يتواصل في المرحلة الاولى لتتراجع الاسعار الى 75 دولاراً للبرميل. امّا الاسباب المقروءة والواضحة فهي قوّة الدولار الاميركي اوّلاً، وارتفاع حجم المعروض من النفط في الاسواق العالمية ثانياً.


امّا الاسباب الاخرى فهي محاولات دولية جاهدة لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي. اذ يقول أحد كبار الخبراء انّ كلّ هبوط بـ 10 دولارات للبرميل يدوم طوال 12 شهراً سوف يضيق 12 نقطة اساسية على نسبة النمو الاقتصادي.

وقد يكون هذا الخفض لسِعر النفط السياسة البديلة التي اعتمدت في السنوات القليلة الماضية، والتي تركزت على ضَخ الاموال في الاسواق لتحفيز الاقتصاد، وهي سياسة كانت الولايات المتحدة الاميركية الرائدة فيها. ثم لم تلبث دول العالم الغربي الاخرى ان اعتمدتها.

امّا المعروض الزائد من النفط فيأتي من الولايات المتحدة الاميركية نفسها التي زادت إنتاجها النفطي ليبلغ حجمه أخيراً نحو 75 في المئة من النفط العالمي خارج نفط منظمة اوبك. ومن جهة اخرى انتظر الكثيرون من المملكة العربية السعودية، وهي اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، ان تخفّض انتاجها النفطي لوَضع حد لهبوط الاسعار.

الّا انّ الخبراء يؤكدون انّ المملكة لن تفعل ذلك، وهي بحاجة للمحافظة على حصتها في الاسواق، وذلك على رغم تراجع أسعار النفط الى ادنى مستوياتها في 4 سنوات. امّا الخاسر الاكبر فهي دوَل مُنتجة للنفط، وفي مقدمتها روسيا وايران وفنزويلا. ومن هنا يمكن قراءة سياسية لاستخدام أسعار النفط كورقة ضغط سياسية على كل من روسيا وايران.

امّا المستفيد الاكبر من تراجع أسعار النفط فهي الدول المستوردة له، وفي طليعتها اليابان. ويؤكد الخبراء ايضاً انّ المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة عالمياً القادرة ان تختار وتحدّد من هي الدول الرابحة والخاسرة في الاسواق النفطية العالمية، فلديها كامل الحرية والقدرة على تخفيض انتاجها النفطي أو زيادته متى شاءت.

وكان سعر نفط برنت الخام في اوروبا قد تراجع نحو 29 في المئة منذ 19 حزيران الماضي، وزادت المملكة العربية السعودية انتاجها في ايلول الماضي بنسبة 0,5 في المئة الى 9,65 مليون برميل يومياً، كما انّ منظمة اوبك أنتجَت 30,9 مليون برميل يومياً، وهي اكبر كمية انتاج منذ عام.

كما تزداد المنافسة على تخفيض الاسعار، وظهر ذلك مع تقديم كلّ من السعودية والعراق وايران حسومات كبيرة الى مستوردي النفط في آسيا، وذلك منذ العام 2009، لحماية حصتها في الاسواق الاسيوية. ومن جهة اخرى ومع الادوات المتطورة الاميركية لاستخراج النفط وضَخّه، فإنّ الولايات المتحدة الاميركية سوف تتجاوز المملكة العربية السعودية في الانتاج النفطي، وذلك اعتباراً من العام 2015 المقبل.

امّا الاهداف الحالية للمملكة العربية السعودية بحسب البعض فهي الضغط على الولايات المتحدة الاميركية التي تُنتج النفط حالياً بكلفة مرتفعة تصِل الى 50 دولاراً وأحياناً الى 100 دولار للبرميل، مقارنة مع 25 دولاراً في الشرق الاوسط.

كما تهدف السعودية لإلحاق الضرر بإيران التي تراجعت مداخيلها النفطية الى 56 مليار دولار ما بين عامَي 2013 و2014 مقارنة مع 118 مليار دولار في نهاية شهر آذار العام 2012.

كما تضررت روسيا التي تعتمد بشكل دقيق وحساس على مداخيلها النفطية. فمع سعر برميل النفط عند 100 دولار، تراجع الروبل الى مستويات منخفضة قياسية.

وخفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو الاقتصادي في روسيا الى 0,5 في المئة في العام 2015. أمّا سعر النفط عند 90 دولاراً للبرميل فسوف يخفّض الانتاج القومي الروسي العام بنسبة 1,2 في المئة، علماً أنّ روسيا تخسر مليارَي دولار مع كل هبوط دولار واحد في سعر النفط.

امّا الدول المستوردة للنفط، مثل اليابان والصين واوروبا، فسوف تحقق ارباحاً. ومن الدول التي سوف تتضرر أكثر من هبوط اسعار النفط وهي دول تعتمد بشكل كبير واساسي على بيع النفط، مثل فنزويلا، التي تمثّل عائدات النفط 96 في المئة من عائدات صادراتها، ثم هناك غينيا وبروناي وليبيا والكونغو والكويت مع نسب اعتمادها على التوالي (79%) و(74%) و(60 %) و(57%) و(55%).

امّا اكبر الرابحين، فهي بحسب إنفاقها النفطي مقارنة مع انتاجها القومي: سنغافورة (43 %) ، سايشال (25 %) وليتوانيا (23 %) والبحرين (23%) وليبيريا (20 %).

وكانت المملكة العربية السعودية وجّهت عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة بأن لا يتوقّعنَ أحد بأنها سوف تخفّض انتاجها النفطي لإنقاذ الاسعار. كما انّ الولايات المتحدة الاميركية، التي يعتبر البعض انّ كلفة انتاجها النفطي مرتفعة جداً ولا تسمح بخفض الاسعار، فقد دفعت بأرقام جديدة تُظهر انّ اكثر من 80 في المئة من انتاجها النفطي لا تتجاوز كلفة انتاج برميل نفط فيها الى 60 في المئة. حتى انّ هناك أجزاء من الانتاج لا تتجاوز كلفتها 28 دولاراً للبرميل.

ويقول خبير عالمي انه يتوقع هبوط اسعار النفط الى ما بين 65 و70 دولاراً للبرميل. ويعتقد البعض انّ العالم دخلَ حالياً في مرحلة حروب اسعار النفط، وهي نوع آخر من العقوبات على روسيا وايران، ما يخدم المصلحة الاميركية والسعودية ويُنقذ اوروبا من ركودها الاقتصادي وتستفيد منه الصين واليابان، وهما مستوردان كبيران للنفط.

وعلى هامش تراجع اسعار النفط سجّل الاسبوع الماضي هبوطاً حاداً في البورصات الخليجية والعربية. فقد تراجع أداء البورصة السعودية بنسبة 12,02 في المئة وبورصة دبي بنسبة 13,60 في المئة وبورصة مصر بنسبة 10,03 في المئة.

وعلى رغم تراجع بورصة بيروت بنسبة 0,43 في المئة، الّا انّ اداءها كان أفضل من بورصات المنطقة التي تضررت كثيراً من هبوط اسعار النفط تحديداً. لكنّ اللافت كان تراجُع أسهم شركة كازينو لبنان بنسبة 5,26 في المئة الى 360 دولاراً، وهو تحرّك جديد لم تشهده منذ فترة.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق